Tuesday 23 September 2014

تجربتي في أمسية تميم البرغوثي في عمّان - الأردن / 20.9.14

*ما حدث اليوم 20/9/2014 في المركز الثقافي الملكي - (أمسية شعرية "مفترضة" لتميم البرغوثي)* 

غير مقبول أبداً، معيب ومخزٍ للمشهد الثقافي في الأردن، ما حصل اليوم في المركز الثقافي الملكي. وهذه القصة من أولها..

على صفحته الخاصة على موقع فيسبوك أعلن الشاعر تميم البرغوثي الأسبوع الفائت عن أمسية شعرية له في المركز الثقافي الملكي في عمّان، الأردن يوم السبت 20/9/2014 الساعة السادسة مساءً ضمن حفل تكريم تقيمه مؤسسة فلسطين الدولية. لفتني أنه عند الإعلان عن حفل التكريم في الجرائد الأردنية لم يذكر الخبر وجود تميم وذلك طبعاً لتفادي الأعداد الهائلة التي من شأنها أن تحضر الحفل لو عرفت بقدوم تميم!

"المقاعد محدودة والأولوية للحضور المبكر" كانت العبارة التي زينت ملصق الحفل. اتصلتُ أكثر من مرة بالمؤسسة المنظمة للاستفسار عن عدد هذه "المقاعد المحدودة" وموعد فتح الأبواب للدخول. في كل مرة أكدت ممثلة المؤسسة أن الأبواب لن تُفتح قبل الخامسة والنصف، وأضافت ضاحكةً "بالنسبة للأعداد، ما بعرف؛ بس إنت عارفة يعني: تميم! ما حدا بقدر يضمن.." – ومن الواضح تماماً أنه فعلاً "ما حدا كان يقدر يضمن"! توجهت للمركز الثقافي الملكي مع صلاة العصر؛ أي قبل ساعتين من موعد الحفل المفترض، وكانت المفاجأة (المتوقعة)! الأبواب جميعها مغلقة، موصدة، منذ أكثر من ساعتين وهي مغلقة.. تماماً! أُغلقت جميع الأبواب قبل بدء الحفل بحوالي ساعتين إلى ثلاث! والأعداد المتجمهرة عند كل مدخل تفوق المئات وهذا عند الرابعة! الآلاف توافدوا مع قرب موعد الحفل ولكن.. لا يمكن الدخول! الأعداد اكتملت! تقدمت بعد أن عانيت طويلاً لأجد مكاناً أركن فيه سيارتي (وبطبيعة الحال رأيت كيف فُتحت الأبواب على مصراعيها لإحداهنّ لتركن سيارتها في الداخل؛ قيل طبعاً أنها سفيرة.. أو ما بعرف شو!). اجتزتُ كل العوائق البشرية لأصل إلى مسؤول الأمن على البوابة الخارجية، وحقيقةً لم تبقَ مفردة في اللغة العربية يمكن استعمالها لإقناع الرجل بإفساح المجال لنا للدخول إلا واستعملناها، صدقاً! لم يقبل، على الإطلاق. تقدم أحدهم وقال بأنه "لواء عسكري" فبكل رحابة صدر فتح مسؤول الأمن الباب له (نعم يا بلدي، الفساد يستشري حتى هنا!). بعد أن قضينا أكثر من نصف ساعة نقنعه بفتح البوابة وافق أخيراً أن يدخلني وحوالي 5 آخرين لمواجهة مصيرنا مع المسؤول الآخر على الباب الداخلي، وهنا بدأت المعاناة.

بعد صراع ومعاناة طويلة واستحضار كل الحجج المنطقية للسماح لنا بالدخول أشار لنا أحد الموظفين بإمكانية الدخول من أحد الأبواب. شكرناه بحرارة وتبعناه لنكتشف أن الباب الذي دلنا عليه يؤدي إلى قاعة صغيرة مع شاشة عرض لنتابع عليها تميم بدل متابعته شخصياً! قلنا له: "عمو، والله فيه يوتيوب! وفيه تلفزيونات!! إحنا مش جايين نحضر فيديو! بدنا نشوف تميم!!" – وذهبنا لبوابة القاعة الرئيسية رغم كل الاعتراضات. وذلك الباب، كان كمدخل مغارة علاء الدين!

موصدٌ بإحكام من الداخل ومسؤول الأمن لا يكف عن ترديد أن المفاتيح ليست معه وأنها مع مدير المركز! "طب يا عمو جيبلنا أي حدا نحكي معه! بدنا نفوت! حدا يفتح" – أبداً. كنا عشرات وبسرعة أصبحنا مئات، غير الآلاف المنتظرة في الخارج. أنا لست غريبة على حفلات التوقيع والأمسيات الشعرية، وصدقاً لم أر في حياتي أعداداً هائلة توافدت كالتي رأيتها اليوم! أقرب حفل وصل إلى هذا العدد كان للراحل العظيم محمود درويش حين حضرته عام 2008 (ونعم، أنا أجرؤ على عقد هذه المقارنة؛ فتميم برأيي هو حامل المشعل من محمود درويش اليوم..). سرعان ما زاد غليان هذه الجماهير المنتظرة، وبدأنا جميعاً بالصراخ والهتاف وبدأ الشباب بترديد الأهازيج الفلسطينية والكل يردد ويغني في أجواء حماسية جميلة وفريدة. نعم؛ فالكل اشتاق أن يسمع فلسطين! أن يسمعها من هذا الشاعر الذي أعاد لنا الأمل بشعره وكتاباته التي مست وجداننا وحبنا وحنينا لفلسطين. كنتُ الأقرب إلى البوابة، ومن شق الباب استوضحت أن القاعة ما تزال تتسع للمزيد، وكنت أرى الناس تدخل إليها ولم أعرف من أين! (الخيار والفقوس مرة أخرى!). كلما سألت مسؤول الأمن أجاب أنه لا يملك المفاتيح ولا يعرف كيف دخل هؤلاء!

الساعة الآن تقترب من السادسة إلا ربعاً، والأصوات تتعالى فوق المعقول، الناس تصرخ "إجينا من إربد!" - "من الطفيلة!" – "من الموقر!" – "أنا قاطع 250كم لأجي!" – "من الـ12 وأنا طالع من البيت لألحق!". وفجأة، القفل يتحرك والباب يفتح، والجماهير – بمن فيهم أنا – نتوافد غير مصدقين إلى القاعة! لنُفاجىء طبعاً أن القاعة ما بتكفي حفلة عرس! والله قاعة محاضرة العلوم العسكرية أو التربية الوطنية بالجامعة أكبر منها! وهذا حفل توزيع جوائز كذلك! يعني المكرمون وأهاليهم لم تكن القاعة لتكفيهم! وأنتم تقيمون حفلاً بدعوة عامة وبدون تذاكر دخول وتدعون تميم البرغوثي وهذا ما تفعلون!! قاعة لا تتسع لـ100/200 شخصاً!! المهم، المفاجأة كانت أننا بعد كل هذه المعاناة وعند الدخول كان أحدهم على المنصة يقول: "تم إلغاء الحفل بسبب الفوضى وأعداد الجماهير الغفيرة وعدم القدرة على تدارك الموقف. تميم زعل بس عرف إنه الجمهور هيك عمل وقرر يلغي الحفل"! *بحق الجحيم يا رجل!* هكذا وبكل بساطة ممكنة! ما إحنا لعبة؛ إيمتى ما حبيتوا جيبونا وإيمتى ما حبيتوا روحونا! وليزيد الطين بلة أضاف: "تميم روّح خلص. اللي بحب يشوفه يلحقه على دير غسانة"!!!

سيدي الفاضل، يبدو أني أعرف تميم أكثر منك. تميم – لمعلوماتك – غير مقيم في دير غسانة، لا هو ولا أهله! ولا يوجد شاعر أو مشهور في هذا الكون يستاء من توافد الناس جماعات لرؤيته ويوافق على إلغاء أمسية له! تميم أراد رؤية جمهوره المحب هنا بعد غياب حوالي 6 سنوات تماماً كما أراد جمهوره ملاقاته! رفض كل الشباب التحرك وبقينا جالسين في انتظار قدوم تميم. وعادت الأهازيج والأغاني مرة أخرى تطالب بقدومه، بلا فائدة. أحد الموظفين في المركز عندما طلب مني المغادرة يقول: "والله ما كنت أعرف مين هوة هذا التميمي! من الصبح قاعد معه وبرتب ولا عارف مين هو! لو بعرف إنه هيك كنت على الأقل تصورت معه 100 صورة!" *يا رجل بحق الجحيم إنت التاني*!! 

في النهاية، ولتحكيم العقل، بعد أكثر من نصف ساعة من الانتظار على أمل تغيير الموقف غادرنا القاعة وعدنا بخفي حُنين. لننأى بأنفسنا طبعاً عن المهاترات والنعرات العنصرية القذرة التي أُثيرت لاحقاً لتزيد من توتر الأمور، والتي سأترفع عن ذكرها بطبيعة الحال.

تميم، جمهورك في الأردن جاء وحضر من كل المحافظات ومن كل الأعمار من ساعات الظهر الأولى متحمساً لرؤيتك وسماع شعرك. وقد خاب ظننا جميعاً بعد أن حالت كل هذه الظروف دون تحقيق هذه الغاية. كلنا أمل أن تعوضنا عما حدث اليوم بعقد أمسية حقيقية في مكان أكبر وأكثر تجهيزاً وتنظيماً لنتمكن جميعاً من الاستمتاع بما تقدم.

المركز الثقافي الملكي، ما حصل اليوم غير مقبول البتة؛ ضيق المكان وسوء التنظيم وتعامل الموظفين والاستخفاف بوقت الناس غير مقبول، ويسيء إلى سمعة الأردن الثقافية. تميم تمكن من عقد أمسيات شعرية في دول أكثر اكتظاظاً في مصر وفي لبنان وفي كل مكان، فهل ضاقت عليه الأردن؟! إلغاء الحفل إشارة سيئة بكل المعايير، وليس حلاً.

وكما قال تميم: "فيها الزنجُ والإفرنجُ والقفجاقُ والصقلابُ والبشناقُ والتتارُ والأتراكُ أهلُ الله والهلّاكُ والفقراءُ والملّاكُ والفجّارُ والنساكُ - فيها كلُّ من وطىء الثرى - أرأيتها ضاقت علينا وحدنا - يا صاحب (المركز) ماذا جدَّ فاستثنيتنا"!!

(نُشرت هذه السطور أيضاً على صفحتي الخاصة على فيسبوك هنا، وعلى موقع سواليف هنا).

Read more…