Saturday 24 May 2014

البردة في ثلاثة عصور

قصيدة البردة هي من أشهر قصائد المدح النبوي التي كُتبت في المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - إن لم تكن أفضلها. نظمها محمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري الموافق للقرن الحادي عشر الميلادي. مطلعها: "أمن تذكّر جيرانٍ بذي سَلَمِ ... مزجتُ دمعاً جرى من مقلةٍ بدمِ".

وأشهر أبياتها، والذي أصبح كلازمةٍ يُعاد تلحينها كلما غنى أحدهم هذه القصيدة هو: "مولاي صلِّ وسلّم دائما أبداً ... على حبيبك خير الخلق كلّهم".


وسبب نظم هذه القصيدة عجيب؛ يقول فيه البوصيري: "كنتُ قد نظمتُ قصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منها ما اقترحه عليّ الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير، ثم اتفق بعد ذلك أن داهمني الفالج (الشلل النصفي) فأبطل نصفي، ففكرتُ في عمل قصيدتي هذه فعملتها واستشفعت بها إلى الله في أن يعافيني، وكررت إنشادها، ودعوت، وتوسلت، ونمت فرأيت النبي فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليّ بردة، فانتبهت ووجدتُ فيّ نهضة، فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً، فلقيني بعض الفقراء فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: أي قصائدي؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها وقال: والله إني سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعجبته وألقى على من أنشدها بردة. فأعطيته إياها. وذكر الفقير ذلك وشاعت الرؤيا." 

والبردة التي رآها البوصيري في منامه هي ذات البردة التي أهداها الرسول - صلى الله عليه وسلم - للشاعر زهير بن أبي سلمى، أبي كعب. ذلك أنه كان ممن اشتهر في الجاهلية ولما ظهر الإسلام هجا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقام يشبّب بنساء المسلمين؛ فأهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه، فجاءه كعب مستسلماً وقد أسلم وأنشده لاميّته المشهورة "بانت سعادُ فقلبي اليوم متبولُ" فعفا عنه النبي وخلع عليه بردته.

وقد تأثر كثيرٌ من الشعراء بهذه القصيدة، ولعل أشعر من عارضها عبر التاريخ هو أمير الشعراء أحمد شوقي، في تسعينيات القرن التاسع عشر، في نصٍّ أسماه "نهج البردة" مطلعه: "ريمٌ على القاعِ بين البان والعلم ... أحلَّ سفك دمي في الأشهر الحُرُمِ".


حظيت البردة كذلك بعددٍ من الترجمات إلى عددٍ من اللغات، لعل أبرزها ومن أجودها ترجمة الشيخ حمزة يوسف إلى اللغة الإنجليزية، هنا

واليوم، في 2014، في العصر الثالث عملياً، قام الشاعر الفلسطيني الأصل مصري المولد والنشأة تميم البرغوثي بتقديم معارضته اللطيفة والجميلة لهذه القصيدة الخالدة التي كتبها أواخر العام 2010، مرفقاً إياها بمقدمة قيمة وغاية في الجمال تضع كتابة النص في سياقه التاريخي والسياسي، وتراجع العصور الثلاثة لكتابة ومعارضة هذه القصيدة، ملقيةً الضوء كذلك على تشابهٍ غريب، ونسقٍ عجيب في الأحداث التاريخية وحتى في نشأة وأصل الشعراء الثلاثة: البوصيري، وشوقي، والبرغوثي.


كان عدد أبيات بردة البوصيري مائة وستين، زادها شوقي في نهج البردة إلى مائة وتسعين، أتمها تميم حتى وصلت مائتين، وغير القافية من الميم إلى الدال، ليصبح صدر بيت القصيدة الأشهر "مولاي صلِّ وسلّم دائماً أبداً ... على حبيبك خير الخلق كلّهم" عجز البيت الذي يبدأ به المديح في هذه القصيدة: "على النبيِّ وآل البيت والشهدا ... مولاي صلِّ وسلّم دائماً أبداً".

أقتبس تالياً أكثر الأبيات التي أعجبتني من بردة تميم البرغوثي:

"إني لَأرجو بمدحي أن أنال غداً ... منه الشجاعةَ يوم الخوف والمَدَدا"
""أرجو الشجاعةَ من قبل الشفاعة إذ ... بهذه اليومَ أرجو نيلَ تلك غدا"
"ولستُ أمدحه مدحَ الملوك فقد ... راح الملوك إذا قيسوا به بددا"

"هو النبيُّ الذي أفضى لكلِّ فتىً ... بأنَّ فيه نبياً إن هو اجتهدا"
"يا مثلَه لاجئاً يا مثلَه تعِباً ... كن مثلَه فارساً كن مثلَه نَجُدا"

"يا من وصلتَ إلى باب الإله لكي ... تقولَ للخلق هذا البابُ ما وُصدا"

"وقسّمونا كما شاؤوا فلو دخلوا ... ما بين شقّي نواة التمر ما اتحدا"

"يا سيّدي يا رسول الله يا سندي ... هذا العراقُ وهذا الشامُ قد فُقِدا"

"ويستلذون تعذيب الغزاة لهم ... إنّ المحبّ يرى في ذلّه رغدا"

وأخيراً، أختم بما ختم به تميم مقدمة نسخته من البردة حيث قال:

"إنك يا أبا القاسم حين تُمدح، فإنّ الشعر لا ينتهي بانتهاء الإنشاد. وذلك لأنك "من أنفسنا" ولأنه كان "عزيزٌ عليك ما عنتنا" ولأنك كنتَ "حريصاً علينا" ولأنك كنتَ فأل هذه الأمة الحسن، فكنتَ متعباً مثلنا، ومظلوماً مثلنا، ومنفياً مثلنا، ومُكذَّباً ومكذوباً عليك مثلنا، ثم انتصرت".

Read more…

10 Skills + 10 Languages Developers Should Learn in 2014

If you, like me, start your year by putting up a plan and coming up with a set of new year's resolutions, then you have most likely decided on a set of new skills to learn and sharpen your competitive edge with in 2014.

In the tech world, there is nothing worse than an "outdated person"; a person who has not worked hard enough to catch up with the latest in technology. Being a developer, this usually comes with an extra: learning new programming languages. And, believe me, in this age we're living in, there is a new one coming out in every 2-3 months if not less.

I know we are approaching June already, but it's never two late! David Tucker, Director of Research and Development at Universal Mind, has compiled a very useful and diverse list featuring 10 skills that he thinks developers should invest in during 2014. Those range from the hardcore technical stuff such as languages, the latest in source control, to some soft skills or, even better, business and project management kind of things. Things like how to do effective estimations [which, let's be honest, few developers would claim to excel at!], how to quickly find information, and so on.

On the other side of the spectrum, the folks at Mashable have compiled another list of 10 programming languages that YOU [no matter who you are or what you do] should learn in 2014. This is partly interesting and useful as the author's put some time gathering handy resources to help you start with each suggested language; some languages they suggested are Java, C++, JavaScript, and SQL. But I find the article especially interesting because it makes it clear that learning programming languages is no longer a developer-only kind of thing. We are already in the future; in a time where learning how to code has become necessary to each and everyone know matter who they are, where they are, or what they do. [Oh and sadly, this is something Most Schools Don't Teach].

So, what are you waiting for? Go ahead and learn! For me, I'm currently learning node.js, which is a bit advanced thus not mentioned in those lists. But hey, you can give it a try as well!

Happy learning! :)

Read more…

Saturday 3 May 2014

طوق الحمامة في الأُلفة والأُلّاف - ابن حزم الأندلسي

(تُنشر بالتزامن مع موقع انكتابطوق الحمامة في الأُلفة والأُلّاف - بقلم ديانا نصار).

يعتبر هذا الكتاب واحداً من أشهر الكتب التي تناولت موضوع الحب عبر التاريخ. وقد اكتسب شهرةً واسعة وتُرجم إلى عدة لغات في المشرق والمغرب. ألفه ابن حزم الأندلسي - أحد أشهر علماء وفقهاء عصره في الأندلس - قبل حوالي ألف عام نزولاً عند رغبة صديقٍ محب طلب منه أن يصنف له "رسالةً في صفة الحب ومعانيه وأسبابه وأعراضه، وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة". وهذا يدفع إلى أذهاننا التساؤل الأول: هل من الممكن فعلاً أن يُعرّف الحب وتُقسّم معانيه وأعراضه وأنواعه والمشاعر المتعلقة به وأن يصنف في كتابٍ أو رسالة؟ 

بالرغم من غرابة الفكرة فقد انتهج ابن حزم منهجاً علمياً بحثياً في تقسيم الرسالة. حيث عمد إلى تقسيمها إلى ثلاثين باباً: عشرةٍ في أصول الحب، واثني عشر باباً في أعراض الحب وصفاته المحمودة والمذمومة، وستةٍ في الآفات الداخلة على الحب، واختتمها ببابين تحدث فيهما عن قبح المعصية وفضل التعفف.

في أصل تسمية الكتاب آراءٌ واجتهادات. أبرزها أن يكون الاسم مبنياً على فكرة الديمومة والثبات؛ كقول العرب: "أبقى من طوق الحمام". أو أنه يحمل دليلاً على معاني الزينة والحلية واستلهام الجمال الذي هو مثار الحب. أو - بكلِّ بساطةٍ ممكنة - أن الحمامة هي رسول الحب والهوى، والطوق حليتها وزينتها، أو الأمانة المعقودة في عنقها لحملها من العاشق إلى المحبوب.

تستهل الرسالة بوصف الحب وتعريفه: "الحبُّ -أعزك الله - أوله هزلٌ وآخره جد، دقّت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تُدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكرٍ في الديانة ولا بمحظورٍ في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عزَّ وجل".

ويكفينا هذا الاقتباس لملاحظة النزعة الدينية والقالب العقلاني الذي طغى على غير موضعٍ في هذه الرسالة. ولنا أن نسأل إن كان ذلك نابعاً من خلفية ابن حزم وفكره الديني، أو من حقيقة أنه كتب الرسالة رداً على طلبٍ من صديق؛ وبالتالي فقد كانت أشبه بالتوثيق والتوصيف العلمي، وأنها لو كُتبت في فترة أطول وفي وقتٍ مختلف من حياة ابن حزم لكان محتواها أو طريقة عرضها اختلفت عن المضمون الحالي. 

أصل الحب عند ابن حزم "اتصالٌ بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع"؛ وهو يرى أن المحبة ضروب: محبة المتحابين في الله عزوجل، ومحبة القرابة، ومحبة الألفة، ومحبة التصاحب والمعرفة، ومحبة البر، ومحبة الطمع في جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسرٍّ يلزمهما ستره، ومحبة بلوغ اللذة، ومحبة العشق التي لا علّة لها إلا اتصال النفوس، والتي في رأيه هي المحبة الوحيدة التي لا تفنى ولا تزيد ولا تنقص كأنواع المحبة الأخرى.

يعتمد الكتاب على قصصٍ وأخبارٍ شهدها ابن حزم أو نُقلت إليه. ذلك أنه قد تربى في بيئةٍ تزخر بالنساء والجواري وهنَّ من علّمنه وأدّبنه فكان أن اطلع على الكثير من أسرارهنَّ والخبايا المتعلقة بهن. وهو إلى ذلك يزخر بالكثير من الأبيات الشعرية التي صاغها ابن حزم شواهد على فكرةٍ أو معنىً أو قصةٍ ذكرها. والأخبار في الرسالة تجمع بين المتعة والتعرف على المجتمع الأندلسي في عصره، والدهشة كذلك؛ كقصة فتىً أحب جاريةً في منامه، وذهب قلبه ولبّه وهام بها! وأصبح في حياته مغموماً مهموماً من حبه الذي عرض له في المنام!

ولعل أكثر أفكار الكتاب جدليةً، هو ما ذكره ابن حزم من أن الحب لا يكون إلا مرةً واحدة، ولحبيبٍ واحد. وهو يرفض فكرة أن يحب المرء اثنين، أو يعشق شخصين متغايرين. ويعتبر أن هذا لا يتعدى أن يكون شهوةً تسمى محبةً على المجاز لا على التحقيق. "وأما نفس الحب فما في المُبتلى به فضلٌ يصرفه في أسباب دينه ودنياه، فكيف بالاشتغال بحبٍّ ثان؟!" - وفي ذلك يقول:

كذب المدعي هوى اثنين حتماً - مثل ما في الأصول أُكذب ماني*
ليس في القلب موضعٌ لحبيبين - ولا أحدث الأمور اثنان
فكما العقل واحدٌ ليس يدري - خالقاً غير واحدٍ رحمان
فكذا القلب واحدٌ. ليس يهوى - غير فردٍ مباعدٍ أو مُدانِ
هو في شرعة المودة ذو شركٍ - بعيدٌ من صحة الإيمان
وكذا الدين واحدٌ مستقيمٌ - وكَفورٌ من عنده دينان
-------------------------
(*ماني: متنبىء فارسي، مؤسس مذهب المانوية، عقيدته قوامها الصراع بين النور والظلام).

يراوح ابن حزم في الطوق بين الأفكار الشاعرية الحالمة المثالية، التي قد نستهجنها أو نستبعد وقوعها في زمننا، وبين الأفكار الواقعية الي تبقى لصيقة الحب في كل زمانٍ ومكان؛ كالذي ورد في باب المساعد من الإخوان، وباب الرقيب، والواشي، والوصل، والهجر، والوفاء والغدر. مختتماً الرسالة ببابين في قبح المعصية وفضل التعفف مؤكداً، لعله، على نزعته الدينية وعلى منهجه الفقهي.

يبقى أن نقول أن طوق الحمامة هو رسالة قيمة وكتاب فريد في الموضوع الذي تطرق إليه وعالجه. اتفقتَ مع ما ورد فيه أو خالفته، فهو يظل بالتأكيد كتاباً لا يخلو من المتعة والفائدة والأخبار العجيبة عن الحب والمحبين في المجتمع الأندلسي على وجه الخصوص، وفي سائر الأمكنة والأزمنة على العموم.

Read more…