بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية - ولا أفهم كيف يُختزل حبُّ اللغةِ في يوم! - ، أحب أن أشارككم فقرة كتبتها منذ فترة بعد تفكرٍّ في حالةٍ معينة (وعامة!) - قلت:
من المؤسِف، والمعيب، والمحزِن، والمخجِل، والمؤلِم، والمقلِق أن تصبح اللغة العربية لغةً نخبوية. وأن يُضحي من النادر أن تجد إنساناً "عربياً" يستطيع تركيب مفرداتها وصياغة جملٍ أصيلةٍ بها. وأن لا تكون هناك سوى قلةٌ قليلةٌ جداً من "العامّة" تتقن (أو تكاد - على الأقل تعرف!) علوم إعرابها وصرفها ونحوها. وأن تصبح تلك القلة المتوجعة على حال اللغة، والفخورة بطبيعة الحال بأصالتها فيها، أن تصبح موضع تَندُّر؛ وتُنعت - مثلاً - بأنها "معقّدة" أو "دقة قديمة". أو أن تُجابَه بأسخف وأدهى سؤالٍ صاغه بشر: "بماذا ستفيدك معرفتك باللغة العربية، أو / و علومها؟" - أعني هنا العربية الفصيحة؛ وإن كان الطوفان الذي كان قد اجتاح الفصيحة بدأ يطال العامية أيضاً. لنجد من يفاخر أن أطفاله لا يتحدثون سوى الإنجليزية، وأنهم في مدارس أجنبية، وبالكاد يلمّون ببعض الكلمات العربية، لا بل ويفاخرون أنهم لا يتحدثون مع أطفالهم بالعربية بتاتاً؛ بغية تأصيل الإنجليزية لديهم. ويشكون من ثقل درس اللغة العربية على أطفالهم وكيف أنهم "يستصعبونها" عكس الإنجليزية التي يستشعرون ويعشقون سلاستها! وأن يصبح كلُّ هذا معياراً في التفاخر الاجتماعي.
هل سيُلقي أبناء اللغة، نحن، بها إلى هاوية النخبوية والاندثار كما حل باللاتينية مثلاً؟ أم سنفعل بها، نحن كذلك، كما فعل أتاتورك بالتركية حين حولها من الكتابة بالأحرف العربية إلى الكتابة بالأحرف الإنجليزية؟ ما المبهٍج / المفيد في كل هذا التلوث اللغوي والنحوي والإملائي (وهو من أقساها) الذي نراه حولنا وبيننا في كلِّ مكان؟ اللغة العربية هويتنا وأساس وحدتنا (المشتهاة) والأصل الأساسي لتسميتنا "عرباً"! ولن أتطرق هنا للحديث عن كونها لغة القرآن ولغة أهل الجنة وأساس الإنسان العربي / المسلم لقراءة وفهم ودراسة لغته وتاريخه وعلوم دينه وحضارته.. ولا لكلِّ ذلك الحديث "النخبوي"!
أنا عربيةٌ فخورةٌ إلى أبعد حد بلغتي وبأنها لساني الأم. وأسعى أن أحيط ولو بأقل درجات المعرفة بعلومها. ولو بلغتُ في العلم أو العمل أقصى مراتبه، لن يسعدني شيءٌ أكثر في هذه الحياة من أن يمدحني (أو يذمّني) أحدهم لحديثي ومعرفتي وعشقي للغتي العربية.