أنا حزينةٌ جداً - بشكلٍ شخصيّ - لرحيل الكبيرة رضوى عاشور فجر هذا اليوم..
عرفتُ اسمها منذ فترةٍ بعيدة؛ عرفتُها أكثر أنها "والدة تميم البرغوثي"، "وزوجة مريد البرغوثي" وكلاهما شاعرٌ وكاتب؛ لكنّ القراءةَ لها كانت دائماً مشروعاً مؤجلاً بالنسبة لي، إلى أن قرأتُ رائعتها "ثلاثية غرناطة" من سنة وبضعة شهور، فعرفتُ أني فاتني الكثير بتأجيلي لقراءة أعمالها سابقاً.
فوراً اتجهتُ إلى قراءة "الطنطورية"؛ التي وشّحتها بإهداءٍ مقتضب إلى زوجها مريد، واكتشفتُ فيها قطعةً من الجمال أخذت تشدّني صفحةً تلو الأخرى. فقد عرضت قضية قرية "الطنطورة" الفلسطينية التي مسحها الكيان الصهيوني في 1948 وهجّر أهلها بجمالٍ منقطع النظير. وأزعمُ أنها قد خلّدت ذكر هذه القرية بأروع القوالب الإنسانية للقادم من الزمن رغم أنف المحتل الذي سعى إلى طمسها بغوغائيته.
"أثقل من رضوى - مقاطع من سيرة ذاتية" كان أحدث، ومع الأسف "آخر"، كتبها الذي صدر في 2013، وفيه تعرفتُ عن كثب إلى هذه الإنسانة الجميلة؛ تعرفتُ فيه على مشوار حياتها الشيّق والصعب والمليء بالأحداث. عرفتُ كمَّ الناس الذين أحبوها وتتلمذوا على يدها أستاذةً في قسم اللغة الإنجليزية في جامعة عين شمس، عرفتُ كم عانت الأمرَّين بعد أن حرمتها السلطة من وجود زوجها "الفلسطيني" معها في مصر وقامت بإبعاده لتعيش هي الدور الأصعب، وتحمل مسؤوليةً مضاعفة في تربية ابنهما طوال الوقت.
عرفتُ حبها للثورة وتعرفتُ من خلالها على ثورة الطلاب في الجامعات المصرية وسمعتُ حكاياتٍ عن ميدان التحرير في تلك الأيام الجميلة التي خلت - وها هي الآن تفارق الحياة بعد يومين فقط من إعلان براءة الطاغية حسني مبارك، فأيَّة مفارقة! - ولكن، استشعرتُ غصتها لأنها لم تستطع النزول إلى الميدان في أوج الثورة أو حتى التواجد في مصر، بسبب ذلك الورم الخبيث الذي بدأ شيئاً فشيئاً يُنهكها ويُثقل كاهلها، وكان عليها أن تسعى لعلاجه في الولايات المتحدة الأمريكية، في رحلة علاجٍ طويلة وشاقة مع زوجها وابنها.
عندما قرأتُ كلَّ تلك التفاصيل، شعرتُ أنني أعرف هذه الجميلة القوية عن قرب وبشكلٍ شخصيّ، أنا التي لم أقابلها يوماً ولو أني تمنيتُ ذلك. قالت مرةً أنه لا بأس إن أرسلنا لها سطراً أو سطرين لو أعجبنا ما نقرؤه لها. وكنتُ دائماً أؤجل الفكرة، واكتفيتُ بكتابة عرضٍ متواضع جداً عن كتابها الأخير في أحد المواقع. ولكن، ها أنا الآن، أجلس وأستذكر الجمال الذي منحتنا إياه؛ فأعبر لكِ عن محبتي وأسعى لتعويض ما فاتني، وأدعو لكِ بالرحمة والراحة.
قلتِ في "أثقل من رضوى" أنّ "رضوى" هو الاسم الذي منحه لك جدك لأمك، وهو اسم جبلٍ يقع قرب المدينة المنورة تضرب فيه العرب المثل في الرسوخ فتقول "أثقل من رضوى". وأنا لا أرى اسماً أنسب تعنونين به مشوار حياتك التي كنتِ فيها راسخةً ماضيةً بعزم، مليئةً بالحياة، رغم كل تلك المصاعب التي أثقلت كاهلكِ الصغير.
سأعود وأقرأ المزيد من كتبك دائماً، ولكن، سيحزنني أنه لن يكون هناك أعمالٌ لاحقة. لن أقول عزاؤنا في أعمال زوجكِ وابنكِ من بعدك؛ فمحلُّك سيبقى شاغراً أبداً، وسنفتقد دوماً تلك الضحكة البهية بين سطور كتاباتك. ولكنها سنّةُ الحياة، التي امتثلتِ لها أنتِ أيضاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
رضوى.. لروحكِ الرحمة.
0 comments :
Post a Comment