هذا الكتاب هو حتماً أجمل كتاب قرأته هذه السنة، ومن أجمل الكتب التي قرأتها من فترة طويلة.
لغة د. وليد سيف في الكتاب (كما في مواضع أخرى) أخّاذة! مذهلة! مدهشة! ونادرة في هذا العصر. كنتُ أتوقف بعد قراءة بعض الصفحات كي أستمتع بجمال اللغة التي كُتب بها النص ثمّ أعاود القراءة من جديد.
الكتاب ٥٠٨ صفحات من القطع الكبير؛ يعني حجمه مرعب. وقد تثاقلتُ أن أبدأ قراءته ترهُّباً من حجمه. لكني ما إن تجاوزتُ الصفحات الأولى حتى تعلّقتُ بتفاصيل النص، ووجدتني أنهي قراءة الكتاب في أقل من ٣ أسابيع؛ حتى أنني لم أشأ له أن ينتهي، وبدأتُ أماطل في أجزاءه الأخيرة كي أستبقيه قليلاً بعد!
مع أنّ الكتاب هو "سيرة ذاتية"، لكنه في الحقيقة تجاوز الخاص إلى العام، وتفرّد بإلحاق عنوانه (الشاهد المشهود) بعبارة "سيرة ومراجعات فكرية". عمل د. وليد على وضع قصته الشخصية في سياق أحداث عصره الأكبر وعكسها على الأماكن التي وقعت فيها وزخرفتها بتأملاته الخاصة وتعليقاته حينما يستحضرها الآن لتدوينها بعد كل هذه السنين، بدل أن يُفصح كثيراً عن تفاصيل حياته الخاصة أو يسرد قصته الشخصية فقط.
وقد يكون هذا سبب حبي لهذا الكتاب: التقاطعات الكثيرة التي لمستها بين حياته وحياتي وحياة الكثيرين. أصل الأسرة المشترك، قصة الكفاح الفلسطيني، دراسته في الجامعة الأردنية التي درستُ بها أنا كذلك وسرده لذكرياته وحتى تجاربه العاطفية هناك، تعلّقه باللغة العربية، صراعات التدين والقيم، الانفتاح على العالم، الهجرة، العودة، ما بعد العودة.. في كلٍّ منا شيءٌ من هذه المحطات؛ يزداد الوصف جمالاً حين تكون قد عشتَ أنتَ كذلك ذات التجربة في ذات المكان، فتشعرُ أنّ النص ينطق عما فيك.
مع جمال التأملات الفكرية التي صاحبت النص؛ قد آخذ عليه أنّ هناك حداً رفيعاً جداً بين التأمل والوعظ، وقد لمستُ تحوّل الكلام إلى وعظٍ صريحٍ في غير موضع؛ تأخذ منه ما شئت وتدع ما لم تشأ.
أودُّ أن أقول أنني "أنصح بقراءة هذا الكتاب"، لكن الموضوعية تحتّم عليّ أن أقول أنني لا أعرف إن كان هناك الكثير ممن سيستسيغ الكتاب! هو ليس نخبوياً بالمعنى السائد؛ لكنه ليس من النوع الدارج بالمعنى السائد كذلك! له جمهوره يعني :) فإن كنت منهم، أضمن لك المتعة والفائدة!
0 comments :
Post a Comment