Saturday 5 November 2016

قولي أيَّ عبارةِ (أو عبارةَ) حُب

بالنسبة لي، الشعر العربي واللغة العربية الفصيحة من أجمل الأمور التي منّت علينا الحياةُ بها. وفكرة أن أسمع بعض الكلام المنمّق الموزون بالفصيحة مُلحّنناً ومُغنّى هي فكرة لطيفة.. إلى حدٍّ ما..

دائماً ما نظرتُ إلى كاظم الساهر بالتحديد كمُغنٍّ اكتسب شهرةً كبيرة كرجلٍ عاشقٍ ولهان مُناصر للمرأة وللحب والجمال والعصافير التي تزقزق (وكل هالحكي) على حساب نزار قباني، صراحة يعني.

وهذا لا يعيبه، بالتأكيد، وممكن أن يكون شخصُه هكذا حقيقةً. لكنّ الخلط بينه وبين ما يغنّيه من كلمات نزار قباني على الأقل وتصويرهما كشخصٍ واحد تماهى أحدهما في الآخر في حب اللغة وإتقانها وإبداع الشعر بها هو مبالغة غير محمودة العواقب بجميع الأحوال، وهذا حديثٌ يطول - قد أكتبُ عنه لاحقاً.

أمّا تلك الأغاني، فرغم تقديري لتوجّه كاظم الساهر للغناء بالفصيحة، فإنّ الأمر لا يخلو من بعض الهفوات النحوية التي وقع ويقعُ بها الساهر، والتي تسلبُ مني أنا - على الأقل - متعة الاستمتاع الكاملة بما يغني.

فأنْ أسمعه يصدح في أغنية "فاكهة الحب": "قولي أيَّ (عبارةَ) حُبٍّ"، ناصباً "عبارة" التي وقعت كمضاف إليه مجرور، يستوقفني قليلاً. بالمناسبة، كثيراً ما يقوم كاظم بإعادة تسجيل أغانيه لتصويب هذه الهفوات، وهو أمرٌ يُحسب له ولفريقه بالطبع. كما فعل في نسخة أخرى سجلها من "فاكهة الحب" وقال بها: "قولي أيَّ (عبارةِ) حُب".

في نفس ألبومه الأخير "كتاب الحب"، قال في إحدى تسجيلات أغنية "تناقضات": "هنالك خمسُ دقائق، لِكَي (أطمئنُّ) عليكِ قليلاً"، وأعاد تصويبها في تسجيلٍ آخر لتصبح: "هنالك خمسُ دقائق، لِكَي (أطمئنَّ) عليكِ قليلاً".

وللقيصر في هذا باعٌ طويل. ففي النسخة المسجلة من أغنية "وإنّي أُحِبُّك"، يستأذن كاظم محبوبته قائلاً: "دعيني أؤسسُ دولةَ عشق، تكونين أنتِ (المليكةُ) فيها، وأصبحُ فيها أنا (أعظمُ) العاشقين". وقد قام بتصويب الكلمتين في نسخة الفيديو كليب لتصبح: "دعيني أؤسسُ دولةَ عشق، تكونين أنتِ (المليكةَ) فيها، وأصبحُ فيها أنا (أعظمَ) العاشقين". أذكر جيداً عند سماعي النسخة المسجلة كيف أعدتُ المقطع أكثر من مرة غير مصدقة أنّه قد وقع في هذا الخطأ وأدركتُ الفرق بين تلك النسخة ونسخة الفيديو كليب المصوّبة.

لا أقصد إفساد جمال ما يغني كاظم، ولا أتعمّدُ التقاط الأخطاء له - فجميعنا يقع في هكذا هفوات طبعاً - لكنّ الأخطاء التي ألتقطُها تكون قد استوقفت سماعي فجأةً، وهي بالتأكيد أكثر مما أوردتُ هنا. يُسجَّل لكاظم بالتأكيد رفع ذائقة المستمعين وتعريف شريحة كبيرة بقصائد جميلة سواء لنزار قباني أو غيره من الشعراء. :)

وآه مثلاً، كيف لأصالة نصري أن تغني "آه من عيناه" راميةً بعرض الحائط جر الاسم المجرور، والصحيح أن تقول "آه من عينيه"؟ :)

بالمناسبة، لم أستطع يوماً الاستمتاع بأغنية "قارئة الفنجان" لاعتقادي لفترة طويلة أنّ عبد الحليم أخطأ حين قال: "قد تغدو (امرأةٌ) يا ولدي يهواها القلب هي الدنيا". وتفسيري كان أنه عنى امرأةً خفية فيكون اسم تغدو هو ضمير مستتر تقديره "هي"، وعلى هذا تكون "امرأة" خبراً لتغدو وجب نصبه عكس ما فعل. إلى أن دخلتُ في هذا النقاش مع بعض زميلاتي في كلية الهندسة بالجامعة الأردنية إبّان دراستي هناك، وأذكر جيداً كيف صحّحت فهمي إحداهن (ميسم الجزّار، على فكرة 😀) وأوضحت لي أنه صرّح بذكر المرأة؛ فجاءت "امرأةٌ" اسماً للفعل "يغدو" مرفوعاً، والخبر هو جملة "هي الدنيا". في تلك اللحظة فقط، تحقق استمتاعي الكامل بالأغنية. 😁

على ذكر "قارئة الفنجان"، فنصُّ القصيدة الأصلية يقول: "يا ولدي قد مات شهيداً، من مات على دين المحبوب". لكن عبد الحليم حافظ خاف ردةً سلبية من الناس نتيجة المفهوم الديني للعبارة فاستأذن نزار قباني تغييرها إلى "يا ولدي قد مات شهيداً، من مات فداءً للمحبوب" لتكون أخفّ وطأة، وهو ما كان. تماماً كما حوّر كاظم الساهر قصيدة نزار قباني "قولي أحبك" ليقول: "لا تخجلي مني فهذي فرصتي، لأكون بين العاشقين رسولاً"، ونصُّها الأصلي: "لا تخجلي مني فهذي فرصتي، لأكون ربّاً أو أكون رسولاً". ولك أن تتصور - يا رعاك الله - مصير كاظم الساهر (لروحه الرحمة) لو كان غناها بنصّها الأصلي.

طيب، على الهامش، ما مقدار الجمال الذي أتاح لنزار قباني (ويغنّيه كاظم الساهر) أن يتودد المحبوب راجياً: "زُرْ مَرّةً ما أَصْبَحَك"! يا رباه.

#كوني_امرأةً_خطرة #مَوْتِني_إليسا_ستايل

2 comments :

  1. تعليق جميل و لفت نظر مهم للغة في الأغاني، مع اني كنت من المتابعين للفظ و الحركات في أغاني كاظم و لكن لم أكن انتبه بهذه الدقة.

    ReplyDelete